Canalblog
Editer l'article Suivre ce blog Administration + Créer mon blog
Publicité
مجالس شعراء العرب
8 juin 2008

/3/الانتماء الصادق والتفاعل الايجابي شعارنا

/////////////////////////////////

هدف عرار

الانتماء والتفاعل

والمنافسة الشريفة

///////////////////////////////

*****************

********************

****************

الشاعر الكبير

مصطفى وهبي التل

رحمه الله

********************

التفاعل التربوي

د . عبدالعزيز بن محمد النغيمشي


مدخل :
المقصود بالتفاعل التربوي هو حدوث اقتناع وتجاوب نفسي بين طرفي العملية التربوية ( المربي والمتربي ) يؤدي لاستجابة الطرف الثاني المعرفية والسلوكية للطرف الأول وللتأثر به .
ويمثل التفاعل التربوي عنصراً مهماً في العملية التربوية ، حيث يعكس العمق والحيوية التي تكتسبها المعلومات والخبرات المنقولة للمتعلم ، ويعكس المدى البعيد لأثر المتربي استيعاباً وتطبيقاً ، هذا إضافة إلى الإسراع في العملية التربوية .
والمربون من آباء ومعلمين ودعاة وغيرهم يعانون – في كثير من الأحيان – من عدم القدرة على التأثير في أولادهم أو طلابهم أو مدعويهم ومن عدم استجابتهم ، بل إنهم – أحياناً – يعاندون ويعرضون ويحولون بين المربي والتأثير فيهم . ومن أهم الركائز لمعالجة هذه الشكوى اختبار المربي لدى حرصه على التفاعل مع المتربي ، واهتمامه لإقامة علاقة جيدة معه ، وهذه أول خطوة جوهرية في طريق التأثير .

قواعد التفاعل :
أصَّل المنهج التربوي الإسلامي المبني على الفقه الشامل لطبيعة النفس البشرية هذه القواعد مبكراً ، وأثراها وخصوصاً في الجانب التطبيقي . ونشير هنا إلى بعض هذه القواعد :

قاعدة التبادل في العلاقات :
إن حسن التجاوب ، وحرارة الاتصال بين طرفين والتفاعل بينهما يعتمد اعتماداً كبيراً على مفهوم "التبادل في العلاقات" ، فعلى قدر ما يبذل كل طرف من جهده وماله ومشاعره نحو الطرف الآخر ، تقوم العلاقة وتتصاعد إلى أعلى .
وعلاقة المربين بالمتربين قائمة على ذلك ، فمثلاً : في علاقة الآباء بالأبناء ، بقدر ما يقدم الآباء للأبناء من عناية ورعاية ونفقة ويبذلون من رحمة وشفقة ، وبقدر ما يحيطون به أبناءهم من نصرة ومعونة وحماية ، بقدر ما يعيد هؤلاء الأبناء هذا العطاء والبذل براً وطاعة ومعروفاً وخفضاً للجناح ، والعكس بالعكس : فالشدة والقسوة والجفاء ، وعدم النفقة أو تقتيرها أو المن بها ، وعدم العناية بالتربية والتعليم ، والسخرية والاستهزاء ، والإهمال والنبذ والطرد ، والغفلة والبعد، كل ذلك يؤدي إلى الجفاء والشدة وعدم الاهتمام ، ويورث النبذ والبعد والقسوة على الآباء من قبل الأبناء .
والمربي أو الداعية إذا كان بارد الأحاسيس، جاف المشاعر، رسمي المعاملة، ساخر اللسان، الغافل أو المتغافل ، البعيد أو المتباعد ، قد يقابل من المتربين في معاملتهم ومسالكهم ومشاعرهم بالرفض والكره والاشمئزاز .
ومما يدل على هذه القاعدة ، قوله تعالى : (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان) [ الرحمن: 60 ] ، وقوله تعالى : (إن هذا كان لكم جزاءً وكان سعيكم مشكوراً) [ الإنسان : 22 ] ، وقوله تعالى : (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) [ النساء : 86 ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (من استعاذ بالله فأعيذوه ، ومن سأل بالله فأعطوه ، ومن دعاكم فأجيبوه ، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ) [ سنن أبو داود : 1672 ] .

قاعدة الحقوق والواجبات :
هذه القاعدة تحكم العلاقات بين الناس ، فالحقوق لفرد معين في مجال معين هي واجبات الشريك الآخر "المقابل" ، والعكس كذلك ، فحقوق المتربي هي واجبات المربي ، وحقوق المربي هي واجبات المتربي .
والرضا بين الطرفين المعنيين أمر ضروري لحدوث التداخل والتفاعل بينهما على وجه مقبول ، ورضا أحد الطرفين وإقباله يعتمد على رضا الطرف الآخر وإقباله ، وذلك وفق قيام كل منهما بواجباته تجاه الآخر .
وإذا مارس الفرد سلوكه بالطريقة التي تتفق مع ما يتوقعه الآخرون منه ( أي بقيامه بواجباته تجاههم ) فإن الآخرين يحمدون له ذلك ويقومون بأداء ما يستحقه أو ما يتوقعه هو منهم.
والعكس بالعكس ، فهو عندما يسلك بخلاف ما يتوقعه الآخرون منه ، يقطع على الآخرين الطريق لتحقيق المتوقع منهم ، فيغضبون منه ويحجبون الثقة عنه .
وقيام المربي بواجباته تجاه المتربين من تعليمهم وتربيتهم ، وتفقد أحوالهم ، وتشجيعهم بالسبل المختلفة ، ومعالجة الحالات الخاصة فردياً ، ومخاطبتهم على قدر عقولهم مع تقديرهم ، كل ذلك يؤثر على مسالك المتربين تجاه المربي محبة أو كرهاً ، طاعةً أو عناداً ، احتراماً أو احتقاراً ، صلةً أو قطيعةً .
ومن الأدلة على هذه القاعدة القصة التالية : " جاء رجل إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشكو إليه عقوق ابنه، فأحضر عمر الولد وأنَّبه على عقوقه لأبيه ونسيانه لحقوقه ، فقال الولد : يا أمير المؤمنين : أليس للولد حقوق على أبيه ؟ قال : بلى . قال : فما هي يا أمير المؤمنين ؟ قال عمر : أن ينتقي أمه ، ويحسن اسمه ، ويعلمه الكتاب (أي: القرآن) . قال الولد : يا أمير المؤمنين ، إن أبي لم يفعل شيئاً من ذلك ، أما أمي فإنها زنجية كانت لمجوسي ، وقد سماني جَعَلاً (أي: خنفساء) ، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً . فالتفت عمر إلى الرجل وقال له : جئت تشكو عقوق ابنك ، وقد عققته قبل أن يعقَّك ، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك " .

قاعدة رأي المربي في المتربي له أثر على شخصيته :
وهذه القاعدة تقول " إن فكرة الفرد عن نفسه هي انعكاس مباشر لفكرة الآخرين عنه ، وأن الفرد يبني كثيراً من علاقاته على أساس من الرأي السائد فيه " .
فالمتربي يتأثر بأقوال وآراء المربي عنه ، ويبني الآراء عن نفسه وفقاً لما يقوله الآخرون عنه ، فإذا كان المتربي محلاً لثقة المربي ، ومعروفاً أو مذكوراً عنده بالقدرة والنشاط والمبادرة ، وموكولاً إليه من المهمات والأعمال ما يتطابق مع الرأي فيه ، وإذا كان يلقى من التشجيع والتأييد ومن التوجيه والتكليف ما يمثل اتجاها ورأياً يتناسب مع قدراته وإمكاناته ، فإنه يسعى لتأصيل ذلك في ذاته ، وجعله صفة من صفاته وسمة من سمات شخصيته ما أمكن . وكذلك الصفات السلبية تتأصل من خلال مسالك وآراء المربي فيه .
وهكذا فالمتربي يقدم أو يحجم ، وينشط أو يجبن ، ويجتهد أو يكسل ، ويجرؤ أو يسكت ، وفق ما يعلمه من رأي المربي فيه ، ووفق ما يقوم به من معاملة مبنية على ذلك .
ومن الأمثلة على هذه القاعدة : أن المربي إذا كلف المتربي بمراقبة بعض الأعمال ، أو إدارة عمل تربوي ، أو قيادة مجموعة معينة ، أو متابعة قضية معينة ، فإنه يُكوِّن فكرة عملية عن ذاته ، وعن قدراته الإدارية والعلمية .
ومن الأمثلة عليها في الجوانب العبادية ، استثارة النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما لقيام الليل بناءً على رأيه فيه ، فعنه قال : كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصّها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتمنيت أن أرى رؤيا فأقصّها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأيت في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار ، فإذا هي مطوية كطي البئر ، وإذا لها قرنان ، وإذا فيها أناس قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار ، قال : فلقينا ملك آخر ، فقال لي : لم تُرَعْ. ومعنى "لم تُرَعْ": لا خوف عليك بعد هذا ولا ضرر.
فقصصتها على حفصة، فقصّتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل" ، فكان بعد لا ينام من الليل إلا قليلاً . [صحيح البخاري: 1122].

أساليب وأنواع التفاعل
يمكن أن نقسم الأساليب والإجراءات التي تمهد أو تحدث التفاعل والاندماج بين المربي والمتربي إلى مجالين هما: مجال المشاعر والمفاهيم ، ومجال السلوك والأعمال .

أولاً : مجال المشاعر والمفاهيم :
وهي أنواع وأساليب التفاعل المتعلقة بمشاعر الإنسان وتوجهاته الداخلية ، وبرصيده من الوعي والمعرفة حول مبادئ التفاعل وقواعده .
ويشمل هذا المجال الأعمال الآتية :
1) التوجه والسعي للحصول على محبة الله ورضاه :
فإن محبة الله للعبد ورضاه عنه يورثان محبة الناس له ورضاهم عنه ، وقد ورد ذلك نصاً في خبر المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس ، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس" [تحفة الأحوذي : 7 / 97].
وكذلك محبة الملأ الأعلى للعبد تنتج محبة الله العباد له ، ورغبتهم فيه وإقبالهم عليه . فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "إذا أحب الله عبداً نادى جبريل إن الله يحب فلاناً، فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء : إن الله يحب فلاناً فأحبوه ، فيحبه أ÷ل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض " [البخاري : 6640] .
فعلى العبد أن يتقرب إلى الله ويطيعه بأنواع الطاعات المفروضة والمستحبة ، وسيجد لذلك أثراً واضحاً في اتجاه الناس إليه ، وقربهم منه ومحبتهم له ، وهذا مرتكز أساس للتفاعل والاندماج في العملية التربوية .

2) الإخلاص والصدق في العلاقة بالناس : الإنسان الذي يريد أن يبني علاقة مؤثرة ومثمرة مع الآخرين لا بد أن يخلص في هذه العلاقة، والإخلاص عمل قلبي ينبعث من قلب الإنسان ومشاعره تجاه الآخرين ، حيث يحس بأهمية العلاقة وعمقها ، ويصدق في إقامتها من داخله أولاً ، ومن ثم ينعكس هذا الإخلاص والصدق على أقواله وأعماله عند الاحتكاك بالآخرين ، فيبادلونه الشعور ذاته ، ويتفاعلون معه .
وإذا كان المربي غير صادق أو كان إخلاصه للآخرين مشوب بدخن ، رأيت الناس ينفرون منه ، ولا يثقون به ، وذلك من علامات ضعف التفاعل أو فقده في العملية التربوية .
ومن نواتج الإخلاص المؤثرة في التفاعل التربوي تطابق أقوال المربي مع أفعاله ، فالناس تتفاعل مع المربي العامل ، وتبتعد عن المربي الذي يخالف قوله فعله .
ومن نواتج الإخلاص – أيضاً – المبادرة بالأعمال ، والسَّبق في الطاعات ، والناس يتفاعلون مع من يسبقهم إلى الميدان ومع من يأخذ بزمام المبادرة .

3 ) الوعي بالقواعد التربوية التي تنشئ التفاعل : في كل عمل تربوي يحتاج المرء إلى زاد فكري وقاعدة من المعلومات المتعلقة به ، وللتفاعل التربوي نظريات وقواعد وأساليب ، لا بد أن يلم بها من كان حريصاً على قيام تربية متفاعلة ومؤثرة.
وقد أشرنا إلى هذه القواعد في الحلقة الأولى ، ونضرب بعض الأمثلة على هذه القواعد : التيسير مقابل التعسير ، الرحمة والشفقة مقابل القسوة والشدة ، التأني مقابل العجلة ، التواضع والتبسُّط مقابل التكبر والتكلف.

ثانياً : مجال العمل والسلوك :
وهي أساليب التفاعل المتعلقة بالسلوكيات التي يمكن أن يمارسها الفرد لإحداث الاندماج والتفاعل مع الآخرين . وهذه السلوكيات التفاعلية كثيرة جداً ومتداخلة ، بل إنها في بعض الأحيان متماسكة بحيث لا ينفك بعضها عن بعض ، إلا أننا سنتناول كل سلوك منفرداً ليسهل توضيح وتحديد هذا المجال ، ولكي يكون المربي على علم جيد بجزئيات سلوكه – مهما صغرت – وأثرها في عملية التفاعل والاندماج مع المتربي.
وفيما يلي بيان هذه الأنواع السلوكية :
1) السلوك اللغوي :
ويتعلق بلغة الفرد وطريقة تخاطبه مع الآخرين ، وأساليبه في السؤال والجواب والحوار ، ونوع الكلمات المستخدمة . فالفرد كلما كان سليط اللسان ، أو كثير الكلام ، أو متكلفاً متفيهقاً ، أو فظاً غليظاً ، أو متعصباً متنطعاً ، أو مستخدماً للكلمات النابية والألفاظ القاسية كلَّما تدنى أو فقد تفاعله مع الآخرين.
قال تعالى : ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ) [آل عمران: 159].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم سباباً ولا فحّاشاً ولا لعاناً ، كان يقول لأحدنا عند المعتبة : " ما له تربت جبينه " [ البخاري : 6031 ] .
وكلما كان المرء لين الحديث ، بعيداً عن المراء ، غير جارح في حديثه وخطابه ، ينتقي الكلمات اللطيفة والأجوبة الرفيقة ، كلما كان متفاعلاً محبوباً مقبولاً لدى الآخرين .

2 ) سلوك السيما والهيئة : ويتعلق بهيئة الفرد وملامح وجهه ، والطابع المميز لقسماته ، والسيما التي تغلب عليه عند ملاقاة الآخرين، والفرد إما أن يعرف بأريحيته وطلاقة وجهه وانبساط أساريره ، فيكسب الناس ويملك مشاعرهم ، وإما أن يكون مقطب الجبين ، عابس الوجه أو صلباً جامداً غير متفاعل في هيئته ، فيعرض عنه الناس ويجتنبوه ، أو يتعاملوا معه تعاملاً رسمياً وفق الحاجة ، أما التعامل التربوي المؤثر فلا بد فيه من مراعاة سلوك الهئية والسيما واعتبار ملامح الإنسان وقسمات وجهه عنصراً مهماً في التفاعل ، ورسالة لا غنى عنها للإذن بالاندماج أو عدمه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق " [ أخرجه البزار بسند حسن ، وانظر ابن حجر ، فتح الباري : 10 / 474 ] .
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تبسُّمك في وجه أخيك صدقة" [ الترمذي : 2022 ] .

3) السلوك التعاملي العادي : ويتعلق بطريقة الفرد المعتادة في التعامل ، وأسلوبه المتبع عند الاحتكاك بالآخرين من حيث الأمر والنهي ، والتوجيه والتكليف ، والنصح والتعليم ، ومن حيث مدى مراعاة اختلاف الأحوال والقدرات والإمكانات .
فالفرد إذا اعتاد أن يكون سهلاً ميسراً ورفيقاً شفيقاً ، وإذا لمح فيه الناس الميل إلى اليسر والسماحة ، وكان دائماً يختار الطريق الأرفق ، والبديل الأحسن ولو على حساب نفسه ، أحبه الناس وتقربوا إليه وتفاعلوا معه وشاركوه مشاعره ، بل ربما صار العدو ولياً حميماً بسبب هذا التعامل .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك ، فقد اعتاد التيسير والسماحة ، وكان رفيقاً شفيقاً سهلاً ليناً حسن التعامل ، يرأف بالناس ويبتغي التيسير عليهم ، ويختار الأرفق بهم .
عن عائشة رضي الله عنها قالت: "ما خُيِّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ، ما لم يكن إثماً ، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه ، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله ، فينتقم بها لله" [ البخاري : 6126 ] .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لاتخاذ هذا الأسلوب والاعتياد عليه في دعوة الناس وتربيتهم ومعالجة قضاياهم، وفي توجيههم والتعامل معهم .
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يسروا ولا تعسروا ، وسكنوا ولا تنفروا " [ البخاري : 6125 ] .

4) السلوك العلاجي : وهو السلوك الذي تواجه به المشكلات المستجدة والمواقف المفاجئة ، ويتعلق بطبيعة معالجة المربي لما يحدثه الناس من أمور غير متوقعة ، ولما يتخذونه من مواقف أو يقومون به من أعمال تثير الغيظ وتوغر الصدر أو تحمل على التشفي وإيقاع العقاب ، ويدخل في هذا ما يقع فيه المبتدئون والصغار والجهال من مخالفة للعرف أو تساهل بالنظام أو عدم اكتراث بمقامات الناس .
والفرد كلما كان قادراً على مواجهة هذه المواقف والتعامل معها تعاملاً مناسباً من الناحتين النفسية والموضوعية كلما نجح في إقامة العلاقة وبناء الصداقة وتأليف الناس وكسبهم ومن ثم التأثير فيهم ، ومن ذلك القدرة على تقدير ظروفهم وإنزالهم منازلهم ، ومخاطبتهم على قدر عقولهم ، واعتبار مستوياتهم العمرية والثقافية والنفسية ، فليس المتربي الجديد كالقديم ، ولا المبتدئ كالمتمكن ، ولا الصغير كالكبير ، ولا الهادئ كالغضوب والجاهل كالعالم وهكذا .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً بال في المسجد ، فثار إليه الناس ليقعوا به ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : "دعوه وأهريقوا على بوله ذَنوباً من ماء – أو سجلاً من ماء – فإنما بُعثتم ميسرين ولم تُبعثوا معسرين" [البخاري: 6128].

5) السلوك التعاوني : ويتعلق بطريقة المربي في التعامل مع احتياجات الآخرين المادية والصحية والنفسية والاجتماعية ، وبمدى إيجابيته في مجالات البذل والصلة والتفقد ، وبمدى مبادرته وكفاءته في أنشطة التكافل الاجتماعي ، فالفرد كلما كان عطوفاً متعاوناً بذولاً لماله وجاهه ووقته وجهده ، كلما مالت إليه قلوب الناس ، وأقبلت عليه وأحبته .
والمجال التعاوني يعد من أهم وأوضح المجالات السلوكية المرتبطة بدعوة الناس وتربيتهم ، والمؤثرة في تقبلهم وتفاعلهم مع المربي ، كثيرة هي الآيات القرآنية ، والأحاديث النبوية ، والنماذج، والسِّيَر التي تبين هذا وتحث عليه . كما أن رجال التربية وعلم النفس والاجتماع أشاروا إلى دور السلوك التكافلي في التربية .
ومن السلوكيات التعاونية التي عُني بها المنهج الإسلامي : الصدقة ، والهدية ، والمكافأة ، والقرض الحسن ، والشفاعة ، والزيارة ، وعيادة المريض ومواساة المصاب ، ونصرة المظلوم ، وقِرى الضيف ، وإجابة الدعوة ، والإيثار ، والسعي في حاجات الآخرين ، وحسن الجوار ، والنصيحة والمشورة ، والدعاء في ظهر الغيب ، وغير ذلك من أنواع البر والإحسان .
وشواهد وأدلة الأنشطة التعاونية في الإسلام كثيرة جداً ، يعقد لها العلماء فصولاً كبيرة في كتبهم تحت عنوان : الآداب أو الأخلاق أو البر والصلة أو الفضائل .

6) السلوك التكميلي ( الترفيه والدعابة والمزاح ) : ويتعلق بكماليات السلوك وملطفاته ، حيث يُتخذ من أساليب الترفيه ، وأنواع الترويح ما يُخَفف به ثقل التربية وجفافها وقسوة البيئة العلمية والعملية وجديتها .
من ذلك الدعابة ، والممازحة بين الحين والحين ، والملاطفة والتورية في الحديث على سبيل الإلغاز ، والمعاتبة ، والتعليق دون جرح للمشاعر ، والملاعبة بما لا يذهب الهيبة ولا يغلب على المربي .
ولا بد من مراعاة الناس في هذا ومدى حاجتهم إليه ، فالحاجة إليه عند الحديث إلى الصغار أكثر من الكبار ، وإلى العامة أكثر من الخاصة ، وإلى المبتدئين أكثر من المتمكنين ، والكلّ يحتاج ذلك بقدر .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قالوا : يا رسول الله : إنك تداعبنا ؟ قال : "إني لا أقول إلا حقاً" [الترمذي: 2058].

المصدر : موقع المسلم

////////////////////////////

الانتماء والتواصل

جاد الكريم الجباعي

1 - في مفهوم المواطنة

الوطن والوطنية والمواطنة نسق أو نسل من المفاهيم السياسية والحقوقية والأخلاقية القديمة / الجديدة، أي التي أعيد إنتاجها بدلالة منطق الحداثة ومقولاتها المركزية كالإنسية والعقلانية والعلمانية والديمقراطية والمجتمع المدني والدولة السياسية، أي الدولة الحديثة. وهي كليات بسيطة مجردة من أي عنصر أيديولوجي ما لم تندرج في خطاب سياسي أو ثقافي معين بزمان المتكلم ومكانه. ولعلة من الصعب أن نقف على الدلالات الحقيقية لهذه الكليات ما لم نجردها من مضامينها وإيحاءاتها الأيديولوجية والقيمية أو المعيارية التي لا بست دلالاتها الحقيقية، وغلبت عليها منذ بدايات اليقظة السياسية في "العالم العربي"؛ فنقد الكلمات والتحرر من سحرها شرطان أوليان وضروريان للخروج من إسار الوعي الأيديولوجي، وأزعم أن الوعي السياسي العربي المعاصر يغلب عليه العنصر الأيديولوجي، إن لم نقل إنه وعي أيديولوجي بالتمام والكمال، لأن جذره هو الاعتقاد بالتمامية والكمال.

منذ نشأت الدولة السياسية الحديثة وصفت بأنها دولة وطنية، أو قومية، وهما بمعنى واحد، وهذا الوصف يعني أنها تعبير عن كلية المجتمع وتجريد عموميته، وتحديد ذاتي للشعب، وشكل سياسي للوجود الاجتماعي، بكل ما ينطوي عليه هذا الوجود من تعدد واختلاف وتعارض. ومن ثم فإن الوطنية صفة للدولة وتحديد ذاتي لمواطنيها، ولم يكن ممكناً أن تكون كذلك لولا طابع الكلية والعمومية في الصفة والموصوف. الصفة في العربية، وفي غيرها من لغات بني آدم تابعة للموصوف في جميع أحواله، وهي تحديد وتعيين، وكل تحديد أو تعيين هو نفي أولاً وتقليص ثانياً: نفي لما كانت عليه "الدولة"، ونفي لما هي عليه، ونفي لكل ما يناقض كليتها وعموميتها؛ وتقليص لكلية الكائن وكونيته، فمواطنو دولة بعينها متماثلون مع غيرهم من مواطني الدول الأخرى في الحيثية الإنسانية، وهي حيثية حاكمة من المبدأ والمنطلق؛ وكل صفة هي تقليص للموصوف الذي لا يستنفد في صفة واحدة من صفاته؛ فالموصوف لا يعرف بتمامه إلا بجميع صفاته وحدوده وتعييناته. وما يعنينا هنا هو كون الوطنية صفة للدولة وتحديداً ذاتياً لمواطنيها، وليست حكم قيمة على هذا المواطن أو ذاك أو على هذه الفئة الاجتماعية أو تلك أو على هذا الاتجاه السياسي أو ذاك، كما هو شائع عندنا. والوطنية، على الصعيد القانوني، ترادف "الجنسية"، فجميع الذين يحملون جنسية دولة معينة هم مواطنوها، بغض النظر عن انتماءاتهم الإثنية أو اللغوية أو الثقافية أو الدينية أو المذهبية، ناهيكم عن العشائرية والجهوية وما إليها، وبغض النظر عن اتجاهاتهم وميولهم الفكرية والأيديولوجية والسياسية. ويمكن القول إن الوطنية هي التحديد الأخير لمواطن دولة ما، وهو تحديد لا ينفي عن المواطن المعني انتماءه الإثني أو اللغوي أو الديني أو المذهبي .. ولكنه ينفي أن يكون هذا الانتماء ما قبل الوطني هو ما يحدد علاقته بالدولة ويعيِّن من ثم حقوقه التي هي واجبات الدولة وواجباته بما هي حقوق الدولة وحقوق المجتمع.

ينتج من ذلك أن المواطنة علاقة بين الفرد/المواطن والدولة، علاقة ذات مضامين اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية وحقوقية وأخلاقية، وأنها من ثم صفة لا تقبل التفاوت والتفاضل، فليس هناك في الدولة المعنية من هو مواطن أكثر أو أقل من الآخر، الأكثر والأقل ينفيان بالتساوي صفة المواطنة. ونفي صفة المواطنة عن أي من أعضاء الدولة السياسية، بغير حق، أي بغير سند قانوني، يعادل نفي صفة الوطنية عن الدولة ذاتها[1]. والسلطات السياسية التي تحتكر "الوطنية" وتحتكر "الحقيقة" فضلاً عن الاحتكارات الأخرى، وترمي معارضيها باللاوطنية تنفي الوطنية عن نفسها وعن الدولة التي سيطرت على مقدراتها بالقوة العارية. والمساواة في المواطنة لا تعني المساواة في الثروة والقدرة أو في الملكات والمواهب، بل تعني المساواة أمام القانون، بغض النظر عن سائر الفروق.

ولما كانت الدولة الحديثة تجريداُ لكلية المجتمع المدني وعموميته وتحديداً ذاتياً للشعب، وشكلاً سياسياً للوجود الاجتماعي، فإنها لذلك كله المعادل السياسي الموضوعي للأمة[2]. والوطنية هي التعبير المرادف للهوية بوصفها جدل الانتماء والتواصل، ولا يجوز قصرها على أحد هذين الحدين وإلا تحولت إما إلى هوية حصرية وانثنائية وإقصائية لا تنتج سوى الاستبداد، كالانتماء إلى أصل مفترض أو إلى دين أو مذهب أو إلى غير ذلك من الانتماءات الحصرية، وإما إلى كوسموبوليتية جوفاء وبلا جذور. قوام الهوية الحية هو جدل الانتماء والتواصل الذي يتجلى في المجتمع المدني والدولة الوطنية بالتلازم الضروري[3]. وهذا الجدل هو نفسه ما يرقى بالمجتمع المدني والدولة السياسية إلى المجتمع المؤنسن أو الجماعة الإنسانية بتعبير كارل ماركس. وقد أشرنا غير مرة إلى أن المجتمع المدني هو التجسيد العياني للأمة. التواصل هو الذي يرقى بالانتماء إلى مستوى الانتماء إلى الجماعة الإنسانية، والانتماء هو الذي يمنح التواصل معنى واتجاهاً ويؤسسه في واقع التنوع والاختلاف. وكل علاقة لا بد أن تفضي إلى تأثيرات أو تغييرات معينة في طرفيها معاً، أو في أطرافها جميعاً. وليس تثاقف الأمم والشعوب وتعارفها إلا من هذا القبيل.

اتسمت الأزمنة الحديثة بالانتقال من التشظي والتناثر إلى المركزية، ومن الانتماءات والولاءات الحصرية، الطبيعية وشبه الطبيعية، إلى المواطنة، ومن التبعية إلى الاستقلال والحرية، ومن نظام الامتيازات وتسلسل الولاءات الشخصية إلى حكم القانون، أي من ما قبل الدولة الوطنية، إلى الدولة الوطنية. فالدولة الوطنية المركزية والمواطنة والاستقلال والحرية وحكم القانون هي مقومات الوطنية الفعلية، وأهم معالم الحداثة، بكل ما لها وما عليها.

الوطنية في الخطاب السياسي العربي الحديث والمعاصر، ولا سيما في الخطاب القومي، تحيل على الانتماء، أي على الهوية الثابتة الحصرية والانثنائية والإقصائية، وتقابلها النزعة الأممية الجوفاء للأحزاب الشيوعية العربية والنزعة ما فوق الوطنية للجماعات الإسلامية. ويخطئ من يظن أن "الأممية الشيوعية" التي خبرناها والإسلاموية القائمة بين ظهرانينا تقومان على مبدأ التواصل، لا على مبدأ الانتماء المغلق الطارد والنافي. والدليل على ذلك سهولة التنقل والترحال بين هذه العوالم المغلقة والانتماءات الحصرية الشبيهة بالانتماء العشائري أو الديني أو المذهبي أو الإثني. وتجدر الإشارة إلى أن مفهوم الوطنية أو القومية التبس، في الوعي السياسي العربي، بالحركة الوطنية أو الحركة القومية، أي بالأحزاب والتيارات التي نسبت نفسها إلى الوطنية أو إلى القومية وقصرتهما عليها. وأزعم أن مفهوم المواطنة كان ولا يزال غائباً عما يسمى "الحركة القومية"، وعن الوعي السياسي العربي بوحه عام. وهو في جميع الأحوال، وبغض النظر عن هذه الملاحظة مفهوم حديث، ووافد إذا شئتم، مع أنه يحيل في العربية على المشاركة في المكان.

ميز أفلاطون الفرد المسوق بسائق حاجاته ورغباته وأهوائه ونزواته من المواطن الذي يتعلق بقيم الخير والحق والجمال ويتطلع إلى الحرية والعدالة والمساواة. وفي ضوء هذا التمييز يبدو لنا الفرد أساس المجتمع المدني والمواطن أساس المجتمع السياسي؛ ولذلك فإن مجرد الإقامة في المكان لا تعد مواطنة بأي حال من الأحوال.

بعد أفلاطون حدد أرسطو المواطن بأنه عضو الدولة، وأشار إلى أن محتوى هذا المفهوم ودلالاته يختلفان بحسب نظام الحكم؛ "إذ يكثر ما يكون المواطن موضوع جدل، من حيث أن الجميع لا يتفقون على كون المواطن شخصاً واحداً (معيناً)، فقد يتفق مراراً في حكم الأقلية ألا يعتبر مواطناً من هو مواطن في الحكم الشعبي"[4]. ولا يكون المرء مواطناً بمجرد سكناه في البلاد، "لأن النزلاء والأرقاء يشاطرونه تلك السكنى" وليسوا مواطنين. "والذين يشتركون في حقوق الدولة اشتراكاً فعلياً يمكنهم من المرافعة ويخضعهم للمحاكمة ليسوا هم أيضاً من قبل ذلك مواطنين"، لأن ذلك أمر مضمون لمن تشركهم المعاهدات في تلك الحقوق". "والأولاد الذين لم يُحصوا بعد، لحداثة سنهم، والشيوخ الذين أطلق سراحهم ينبغي أن نعترف بكونهم مواطنين من بعض الوجوه، وإن لم يكونوا مواطنين دونما قيد أو حصر. ولذا نضيف أن أولئك مواطنون لم يكتملوا بعد، وأن هؤلاء مواطنون قد فات أوانهم، أو ننعتهم بشيء آخر من هذا النحو ... وفي وسع المرء أن يشير بشأن الساقطين من حقوقهم المدنية والمشردين صعوبات تقرب من الصعوبات الآنفة الذكر، وفي وسعه أيضاً أن يلقى لها حلولاً مماثلة"[5].

"أما المواطن البحت فليس له من بين الحدود الأخرى حد أفضل من كونه يشترك في القضاء والسلطة". سواء كانت السلطة محدودة بوقت معين ولا يليها الشخص نفسه إلا مرة واحدة، أو غير محدودة بوقت معين كسلطة القاضي وسلطة العضو في مجلس الأمة.

تبدو طريقة أرسطو في التحديد والتعريف واضحة، فقد أخرج من دائرة التعريف كل من لا تطلق عليه صفة المواطن وصولاً إلى تحديد المواطن البحت تحديداً إيجابياً بأنه من يشترك في القضاء والسلطة. فكل عضو في الدولة يحق له أن يشترك في القضاء والسلطة، سواء كانت هذه الأخيرة تشريعية أم تنفيذية، أي إنه عضو في إحدى هذه السلطات بالقوة، ويمكن أن يصير عضواً فيها بالفعل. بل يذهب أرسطو إلى أن المواطن هو من يشترك في سلطة غير محدودة، وما ذلك سوى لأهمية السلطتين التشريعية والقضائية في نظره.

وتبدو لنا قيمة هذا التحديد في كونه انطلق من المواطن المفرد، أي من الفرد السياسي، لا من الجمع، فليس ثمة جمع بلا مفرد. المفرد هو الموجود الفعلي المباشر الذي تتعلق به جميع الصفات والمحمولات، وتتجلى فيه ماهية الإنسان الكلية. وهذا الفرد السياسي، المواطن،  هو أساس الدولة السياسية، أساس الجمهورية. فهو يقول: "فمن هذه الاعتبارات قد اتضح إذن من هو المواطن. ونحن الآن ندعو مواطن دولة من له في تلك الدولة حق الاشتراك في السلطة الاستشارية وفي السلطة القضائية. والدولة جماعة تتألف من أمثال هذا الشخص، قادرة بوجيز القول على الاكتفاء الذاتي في مرافق الحياة"[6].

فضيلة المواطن عند أرسطو هي الاشتراك في المواطنة لتحقيق مصلحة عامة وغاية جماعية؛ "فكما نقول إن الملاح هو أحد الشركاء في الملاحة كذلك نقول إن المواطن هو أحد الشركاء في الوطنية. والبحارة متباينون في حذقهم: فهذا جذَّاف يضرب بالمقذاف وذاك مدير لدفة السفينة وآخر قائم على حركات مقدمها وغيره قد نال لقباً آخر يدل على مهنته، ومن ثم يتضح أن السبب الأساسي لوظيفة كل منهم هو العلة الخاصة لفضيلته، كما أن هناك سبباً عاماً يلائم كيان الجميع، لأن سلامة الإبحار هي عملهم أجمعين، إذ كل منهم يتوق إليها ويلتمسها. فشأنهم في ذلك كشأن المواطنين، فسلامة هؤلاء على اختلاف طبقاتهم هي من مفاعيل اشتراكهم. وما النظام السياسي سوى شركة. ولذا وجب ضرورة أن تهدف فضيلة المواطن إلى النظام السياسي"[7]. وما دام الأمر منوطاً بالنظام السياسي فإن كل مواطن يقوم بوظيفة ضرورية للآخرين، فلا أقل من أن يتقن كل مواطن عمله ويقوم بما أوكل إليه حتى تكون الدولة فاضلة بفضائل مواطنيها. والمواطن الجدير بالاعتبار هو من يحسن الرئاسة والخضوع، أي من بوسعه أن يكون حاكماً ومحكوماً في الوقت ذاته؛ حاكم لأنه من يضع القوانين، ومحكوم لأنه من يحترمها ويطيعها. ومن لا يتعلم احترام القوانين والتزامها لا سبيل إلى أن يحسن الرئاسة. الطاعة والرئاسة فضيلتان سياسيتان يحسن بجميع المواطنين تعلمهما. وقوامهما العفة والعدل والفطنة، وهذه الأخيرة هي فضيلة الرؤساء خاصة.

المواطنون هم من لا قوام للدولة بدونهم. في زمن أرسطو وقبله لم تكن صفة المواطن تطلق إلا على الرجال الأحرار المعفين من القيام بالأعمال الضرورية التي كانت وقفاً على الأرقاء والعبيد والصناع وأهل الحرف. ولكن مع أخذ هذه الواقعة في الحسبان تكتسي الحدود التي وضعها أرسطو للمواطنة أهمية خاصة، ولا سيما حد الحرية. فليس من الحكمة أن نشيح عن هذه الحدود أو ننصرف عنها أو نستهين بها بحجة التفاوت الاجتماعي، وانقسام المجتمع آنذاك إلى عبيد وأحرار. بل إن التعريف الذي وضعه أرسطو للعبد من شأنه أن يحفز الناس في زماننا على رفض العبودية السافرة والمقنعة؛ فالعبد عند أرسطو هو "من ضعف روحه وقلت حيلته فأتبع نفسه لغيره". فالاستتباع والتبعية سمتان رئيستان من سمات المجتمع العبودي، والتبعية العمياء خاصة هي من أبرز سمات العبودية. والتبعية والولاء الشخصي أو الديني أو المذهبي أو العشائري أو الحزبي أو الأيديولوجي صنوان. إنهما معاً ضرب من عبودية مقنعة يتوهم معهما الفرد التابع أو الموالي، ولا فرق، أنه حر ومستقل، وهو ليس كذلك بالفعل. لنقل إن مبدأ المواطنة الحديث نقيض مبدأ التبعية والولاء الشخصي الذي وسم العصور الوسطى الإقطاعية. وأنه ليس من ضمانة للمواطنة سوى القانون.

////////////////////

Publicité
Publicité
Commentaires
I
MERCI AISSAOUI<br /> MERCI ARRARE<br /> BON COURAGE A VOUS DEUX<br /> **************************<br /> HBTISSAM<br /> **********
Publicité
Archives
مجالس شعراء العرب
Derniers commentaires
Newsletter
مجالس شعراء العرب
Publicité